أصبحت البيانات أساساً لاتخاذ القرارات الحديثة، ودفع الابتكار في مختلف الصناعات. فكل نوع منها يعمل على فهم الاتجاهات السابقة، أو تشخيص المشكلات، أو التنبؤ بالنتائج المستقبلية، أو اتخاذ قرارات مستنيرة، باستخدام أدوات قوية لتحويل المعلومات الخام إلى رؤى قابلة للتنفيذ. نستعرض في هذه المقالة أنواع تحليل البيانات، وكيف ينتج عن الجمع بين هذه الأنواع إلى رؤى شاملة واستراتيجية، وكيفية اختيار الأدوات المناسبة.
أنواع تحليل البيانات
تتعدد أنواع تحليل البيانات وكل منها مصمم لمعالجة أسئلة محددة وتوفير رؤى قابلة للتنفيذ، فهي تلعب أدواراً مترابطة في جعل البيانات مفيدة ذات مغزى، وتتجلى هذه الأنواع في:
تحليل البيانات الاستكشافي (EDA)
يُعد تحليل البيانات الاستكشافي مقدمة لأنواع التحليل الأخرى، فهو يعمل على فهم البيانات وكشف الأنماط أو العلاقات أو الشذوذ المخفية. يعتبرعملية مفتوحة تتضمن طرح الأسئلة للفهم والاستكشاف وتصور البيانات واختبار الفرضيات، كما أنه مفيد عند العمل مع مجموعات بيانات جديدة أو غير منظمة.
حيث يستخدم لتصوير توزيعات البيانات أو تحديد القيم المتطرفة أو اكتشاف الارتباطات غير المتوقعة.
يساعد المحللين في تحديد كيفية المضي قدماً في التحليلات الأكثر هيكلة، كبناء نماذج تنبؤية أو إجراء التشخيصات. فهو خطوة أساسية لضمان جودة البيانات واكتشاف رؤى قد تمر دون أن يلاحظها أحد.
التحليلات الوصفية
التحليلات الوصفية هي الخطوة الأساسية في عملية التحليل، إذ يتم تلخيص وتفسير البيانات التاريخية للإجابة على سؤال “ماذا حدث؟”. ثم تنظم البيانات الخام على شكل تنسيقات مفهومة بما يتضمن: المخططات والرسوم البيانية والتقارير، مما يوفر رؤى حول المقاييس والاتجاهات الرئيسية.
من أبرز الأمثلة على استخداماتها: تحليل المبيعات الشهرية أو تتبع حركة المرور على موقع الويب أو مراقبة درجات رضا العملاء. يكمن ذلك من خلال إنشاء لوحات معلومات وتصور الاتجاهات، مما يساعد المؤسسات على تحديد الأنماط كالارتفاعات الموسمية في الطلب أو فئات المنتجات الأكثر شيوعاً.
كما رأينا توفر التحليلات الوصفية صورة واضحة للأداء السابق، لكنها لا تشرح أسباب حدوث النتائج، بالتالي يجب استخدام أنواع أخرى كالتحليل التشخيصي.
التحليلات التشخيصية
يُبرز دور التحليل التشخيصي عندما تقتضي الضرورة إلى فهم الأسباب وراء الاتجاهات أو الشذوذ الملحوظ في نقطة ما. إذ يجري ذلك من خلال للإجابة على السؤال “لماذا حدث ذلك؟” بحيث يتم البحث في البيانات بشكل أعمق بهدف تحديد الارتباطات والأنماط والعوامل المسببة.
من أبرز الأمثلة على استخداماتها: لاحظت شركة ما انخفاضاً في المبيعات، فاستعانوا بفريق التحليل ليكشف التحليل التشخيصي أنَّ منافساً ما قد أطلق حملة ترويجية أو أنَّ استراتيجية التسعير لم تلقَ صدى لدى العملاء. تستخدم تقنيات الإحصاء المتقدم مثل تحليل الانحدار وتحليل السبب الجذري والتجزئة.
في الواقع، يحتاج هذا النوع مزيجاً من الأساليب الإحصائية وأدوات التصور لتوفير فهم شامل للعوامل المسببة في نتائج محددة، مما يمكن المؤسسات من معالجة القضايا بشكل استباقي.
التحليلات التنبؤية
تتخذَ التحليلات التنبؤية نهجاً مختلفاً فهي تجيب على السؤال “ما الذي من المرجح أن يحدث؟” حيث تتم الاستفادة من البيانات التاريخية والذكاء الاصطناعي والنماذج الرياضية المتقدمة، لتوقع التحليلات التنبؤية الاتجاهات والسلوكيات المستقبلية.
من أبرز الأمثلة على استخداماتها: توقع احتياجات العملاء أو التنبؤ بالمبيعات أو باتجاهات السوق. فقد يتنبأ بائع التجزئة بالطلب على منتج ما خلال موسم العطلات عبر تحليل سلوكيات الشراء السابقة وأنماط الطقس واستراتيجيات الترويج. تُستخدم أدوات برمجية وأطر التعلم الآلي لبناء نماذج تنبؤية، تُساعد المؤسسات على الاستعداد للتحديات والفرص المحتملة.
الجدير بالذكر أنَّ دقة التحليلات التنبؤية تعتمد على جودة البيانات والنَماذج المستخدمة، بالتالي يجب الاهتمام بالبيانات القوية وضرورة وجود الخبرة في المجال.
التحليلات التوجيهية
التحليلات التوجيهية هي النوع الأكثر توجهاً نحو العمل فهي تجيب على سؤال “ماذا يجب أن نفعل؟”. إذ تعتمد على الرؤى المستمدَة من التحليلات التنبؤية للتوصية بإجراءات واستراتيجيات محددة. يدمج النماذج التنبؤية وتقنيات التحسين وتخطيط السيناريو لتقييم النتائج المحتملة وتحديد أفضل مسار للعمل. من أبرز الأمثلة على استخداماتها: بعد التَنبؤ بارتفاع الطلب على منتج ما، قد تقترح التحليلات الوصفية تعديل مستويات المخزون أو إعادة تخصيص الموارد أو إطلاق حملات تسويقية مستهدفة لتحقيق أقصى قدر من الربحية.
تُفيد أدوات التصوير وبرامج التحسين في تسهيل تقديم التوصيات بصرياً وبتنسيق مناسب لاتخاذ القرار. الجدير بالذكر أنَها مفيدة بشكل كبير للتخطيط الاستراتيجي، فهي تسمح للمؤسسات من التصرف بثقة وفق رؤى مدفوعة بالبيانات.
الجدير بالذكر أنَّ هذه الأنواع ليست مستقلة بل تشكل حلقة مستمرة من الاكتشاف واتَخاذ القرار. في معظم الأحيان، تجمع المنظمات مختلف أنواع تحليل البيانات للحصول على نهج أكثر شمولاً، نستعرض التَفاصيل في الفقرة التَالية.
الترابط بين مختلف أنواع تحليل البيانات
يخدم كل نوع من أنواع التحليل غرضاً يختلف عن الأخر، لكن عند استخدامها معاً تكون أكثر فعالية. على سبيل المثال، قد تبدأ الشركة بالتحليلات الوصفية لتحديد انخفاض في الإيرادات، واستخدام التحليلات التشخيصية للكشف عن الأسباب التي قد تكون فقدان العملاء أو اضطرابات سلسلة التوريد.
ثم تستخدم التحليلات التنبؤية للتنبؤ بالتأثيرات المستقبلية، ثم تطبيق التحليلات الوصفية لاتخاذ أفضل الإجراءات التصحيحية.
في حين يدعم التحليل الاستكشافي العملية بأكملها، ليساعد المحللين على فهم مجموعة البيانات قبل الخوض في تحليلات محددة.
باختصار، كل نوع من أنواع تحليل البيانات هو عنصر أساسي في العملية التحليلية الأوسع فمن خلال الجمع بين هذه الأنواع، تنتقل المؤسسات من مجرد فهم ما حدث إلى تشكيل النتائج المستقبلية بنشاط، وإنشاء نهج شامل واستباقي لاتخاذ قرارات إستراتيجية مستنيرة للمستقبل قائمة على البيانات.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يتم إجراء كل نوع من هذه الأنواع؟
كيفية اختيار أدوات التحليل المناسب وفق نوع التحليل
يعتمد اختيار الأدوات المناسبة للتحليل على أي نوع من أنواع تحليل البيانات يتم إجراؤه. حيث تتفوق بعض الأدوات الشائعة في أنواع مختلفة من التحليل عن غيرها:
طريقة إجراء تحليل البيانات الاستكشافي (EDA)
يركز تحليل البيانات الاستكشافي (EDA) على الكشف عن الأنماط والعلاقات داخل البيانات. في هذه الحالة تعتبر كل من Python وR خياران رائعان له نظراً لمكتباتهما الشاملة، حيث تمكن Pandas وSeaborn وMatplotlib من Python المستخدمين من تنظيف البيانات وتصورها واستكشافها بفعالية، كما تقدم ggplot2 وtidyr من R لأغراض مماثلة.
يمكن استخدام Excel لـ EDA الأساسية، لكنه يواجه صعوبة مع مجموعات البيانات الأكبر ويفتقر إلى مرونة الأدوات القائمة على الترميز. كما تفيد أدوات تصوير البيانات بما في ذلك Tableau وPower BI من خلال تسهيل التفاعل مع البيانات بصرياً، لكنها أقل قوة عند التعامل مع تحويلات البيانات الخام مقارنة بـ Python وR.
أدوات إجراء التحليلات الوصفية
باعتبار أنَّ التحليلات الوصفية تلخص البيانات لفهم ما حدث، لذا تعد أدوات Excel وTableau و Power BI فعالة فيها. حيث يوفر Excel الكثير من الميزات على سبيل المثال: الجداول المحورية والرسوم البيانية والصيغ المضمنة التي تسهل حساب المتوسطات والنسب المئوية وغير ذلك. في حين يعتبر Tableau أداة ممتازة لإنشاء لوحات معلومات وتصورات تفاعلية توفر نظرة عامة عالية المستوى للبيانات التاريخية، بالتالي يسهل اكتشاف الاتجاهات والأنماط. كما يعتبر Power BI جيد، فهو يوفر إمكانيات إعداد تقارير متقدمة مع تحديثات البيانات في الوقت الفعلي.
طريقة إجراء التحليلات التشخيصية
باعتبار أنَّ التحليلات التشخيصية تعمل على فهم سبب حدوث نتائج معينة، حيث يوفر Excel إمكانيات تشخيصية أساسية من خلال ميزات كمرشحات البيانات ووظائف الارتباط، ولكنه محدود للتشخيصات الأكثر تعقيداً. تتألق أدوات مثل Python وR هنا بسبب قدرتها على إجراء تحليلات إحصائية متقدمة وبناء نماذج لتحديد العلاقات بين المتغيرات. على سبيل المثال، تسمح مكتبات Python مثل Pandas وMatplotlib بالاستكشاف المتعمق وتصور علاقات البيانات، بينما توفر R حزماً إحصائية مثل dplyr وggplot2 لنفس الغرض.
كيفية إجراء التحليلات التنبؤية
تتنبأ التحليلات التنبؤية بالنتائج المستقبلية بحسب البيانات التاريخية، مما يجعل Python وR الخيار الأمثل بسبب قدرتها على التعامل مع نماذج التعلم الآلي والخوارزميات المتقدمة.
حيث تساعد مكتبات Python مثل Scikit-learn وTensorFlow المستخدمين في بناء نماذج تنبؤية لمهام كالتنبؤ بالمبيعات أو التنبؤ بسلوك العملاء. كما توفر R حزمة caret لبناء نماذج تنبؤية بسهولة. في حين تعد الأدوات مثل Excel وTableau وPower BI أقل ملاءمة للمهام التنبؤية، لأنها تفتقر إلى القدرات الحسابية المتقدمة المطلوبة للتعلم الآلي والنمذجة التنبؤية.
أدوات التحليلات التوجيهية
توفر التحليلات التوجيهية توصيات قابلة للتنفيذ بناءً على البيانات. في هذا النوع تتميز أدوات Power BI وTableau خاصة عند دمجهما مع نماذج التحسين أو أطر صنع القرار. على سبيل المثال، يمكن لهذه الأدوات التكامل مع النماذج التنبؤية وعرض أفضل مسار للعمل باستخدام لوحات معلومات سهلة الاستخدام في الوقت الفعلي. في حين يمكن لـ Python وR إجراء تحليلات وصفية، فإنَّ ناتجهما أقل جاذبية بصرياً، مما يجعل أدوات التصور مثل Tableau وPower BI خياراً مفضلاً لصناع القرار. Excel، على الرغم من قدرته على حل مشكلات التحسين باستخدام الوظائف الإضافية مثل Solver، إلا أنه يقتصر على سيناريوهات أبسط.
باختصار، لكل أداة نقاط قوة ونقاط ضعف بحسب نوع التحليل. لكن بالنسبة للمبتدئين في مجال التحليل أو عند العمل مع مجموعات البيانات الأصغر يكون Excel كافياً. أما بالنسبة للعمل الإحصائي والتنبئي الأعمق، فإن Python وR لا غنى عنهما نظراً لميزاتهما المتقدمة وقابلية التوسع. عند تصور الأفكار وتوصيلها إلى أصحاب المصلحة، تبرز Tableau وPower BI كأدوات أساسية. يعتمد اختيار الأداة المناسبة على الأهداف المحددة للتحليل وتعقيد البيانات ومستوى الخبرة الفنية المتاحة.
في الختام، الجدير بالذكر أنه في عصرنا الحالي تعتبر مختلف أنواع تحليل البيانات مفتاحاً لنجاح للشركات والأفراد. فمن خلال فهم البيانات، واكتشاف الأفكار، واتخاذ قرارات مستنيرة يسمح بتشكيل إطاراً شاملاً للمؤسسات لتحسين العمليات وتشكيل الاستراتيجيات بشكل استباقي.