لقد انتشرت تقنية التحليل المكاني في كل مكان فأصبحت جزءًا من الروتين اليومي بدءًا من حجز سيارة أجرة على تطبيق، إلى تتبع توصيلات الطعام، وانتهاءا ً بالوصول إلى نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للسفر من مكان لآخر.
في الواقع تعود البيانات المكانية إلى زمن بعيد كصور الأقمار الصناعية، لكن ساعد ظهور الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي (ML) التحليل المكاني في زيادة أرباح الشركات وأحياناً إنقاذ الأرواح. نستعرض أدناه مفهوم التحليل المكاني وأهميته وأشكال البيانات المكانية وأبرز تطبيقاته.
مفهوم التحليل المكاني
التحليل المكاني أي دراسة الكيانات عبر فحص وتقييم ونمذجة ميزاتها بما يتضمن: المواقع والسمات والعلاقات التي تكشف عن الخصائص الهندسية أو الجغرافية للبيانات. يستخدم مجموعة من النماذج الحسابية والتقنيات التحليلية والأساليب الخوارزمية لاستيعاب المعلومات الجغرافية وتحديد مدى ملاءمتها للنظام المستهدف.
كما يستمد رؤى من البيانات المكانية التي توفر تمثيلاً رقميًا لأي كيان مادي في نظام الإحداثيات الجغرافية، التّي تُصنَّف إلى نوعين أساسيين: هندسية وجغرافية.
إذ تقوم البيانات الهندسية بتعيين المعلومات المكانية على الأسطح ثنائية الأبعاد، في حين تمثل البيانات الجغرافية خط العرض وخط الطول لكيان أو موقع ما يتم تراكبها على كرة، حيث تمثل الكرة الأرض.
فعلى سبيل المثال: تطبيق خرائط جوجل الذي يستخدم البيانات ثنائية الأبعاد لتوفير مسارات ملاحية لمستخدميه، بينما توفر أجهزة تحديد المواقع معلومات جغرافية مفصلة.
كما يعتبر الإسناد الجغرافي والترميز الجغرافي جوانب حيوية أخرى للتحليل الجغرافي المكاني، حيث يقوم الإسناد الجغرافي بنمذجة سطح الأرض عبر تعيين إحداثيات البيانات للمتجهات أو البيانات النقطية، في حين يحدد الترميز الجغرافي العناوين الدقيقة كالدول والبلدان على سطح الكوكب.
أشكال البيانات المكانية
يتمّ التّعبير عن البيانات المكانية بعدّة تنسيقات تتجلّى فيما يلي: المتجهات والنقطية.
- حيث تمثّل المتجهات العالم الحقيقي بيانياً من خلال النّقاط والخطوط والمضلّعات، إذ تساعد النّقاط في إنشاء خطوط تشكّل مساحات مغلقة تُعرَف بالمضلّعات. إذ تسمح أنواع البيانات المتجهة برسم خرائط رسومية للأجسام المادية على سطح الأرض، تحتفظ بالبيانات في ملفات الأشكال (shp).
- أمّا البيانات النقطية تمثّل البكسل الذّي يعكس معلومات محدّدة كاللّون ووحدة القياس وغير ذلك. فكما هو معروف تشير البيانات النقطية إلى الصور، لكن في التحليل المكاني يشير إلى الصور الجوية أو صور الأقمار الصناعية، المعروفة باسم “الصور الفوتوغرافية التقويمية”.
في حين تُمثَّل البيانات غير المكانية بالسّمات وتشير إلى المعلومات الإضافية للبيانات المكانية كالصّور أو الخرائط.
تقنيات التحليل المكاني GIS
يوجد عدة تقنيات لاستخدام تحليل المكانيات في GIS تتضمن:
- تحليل المسافات: لحساب المسافة بين المواقع، أو بين النقاط وغيرها من الكائنات سواء كانت طويلة أو قصيرة.
- تحليل المسارات: لإيجاد أفضل طريق لاستخدام الأراضي أو الشوارع أو غير ذلك في منطقة ما.
- تحليل التفاعل الرقمي: لتحديد العلاقات المكانية بين المتغيرات كدراسة تأثير العوامل البيئة على نسبة الإصابة بالأمراض.
- تحليل المنطقة: يستخدم لتحديد المناطق التي تحتوي على معالم محددة كالأراضي الخصبة أو الصحراوية.
- تحليل النمذجة الجغرافية: تستخدم للتنبؤ بالأحداث المستقبلية وتحليل النتائج وفهم سلوك البيانات الجغرافية.
باختصار، تستخدم تقنية التحليل المكاني في فهم وتحليل العلاقات الجغرافية بين الكائنات والإجابة عن الاستفسارات المكانية في العالم. مما يسمح للمتخصصين تطوير مخططات وحلول تساعد الحكومات والشركات والمعاهد الأكاديمية في فهم العالم، نتحدّث في الفقرة التّالية عن أهمّيتها بشكل مفصّل.
أهمية التحليل المكاني
يساعد التّحليل المكاني في رسم خرائط للأشياء المادية، وجمع المعلومات المكانية من عدّة مصادر: كصور الأقمار الصناعية، التصوير الجوي، موجزات الوسائط الاجتماعية، الخرائط، بيانات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والمعلومات السكانية. مما يسمح باستخدام النسخة الموحدة من تلك البيانات المكانية لفهم شامل ما يدور حولها واتّخاذ الإجراءات بحسب الحاجة.
إذ تمكّن قوة الخرائط والعلاقات المكانية صناع القرار من الكشف عن الأنماط وتحديد الاتجاهات واتخاذ خيارات مستنيرة، إذ يمكن توظيف التّحليل المكاني للقيام بالوظائف التّالية:
المساعدة في البحث الجغرافي
يسمح التحليل المكاني بتصوّر بيانات محدّدة على الخرائط ليستفَاد منها عبر الواجهات، إذ يمكن للمستخدم البحث عن البيانات الجغرافية ذات الصلة عبر لوحات المعلومات باستخدام عناصر محدّدة كاسم المدينة والبلد والرمز البريدي وغيرها. كما يمكن تحديد المواقع المهمة في منطقة ما بسهولة كالمدارس في المنطقة.
تجميع مجموعات البيانات
يتيح تجميع البيانات ليساعد السلطات في فهم القواسم المشتركة الديموغرافية عبر النظر في كثافة نقاط البيانات المتوقعة. إذ يمكن للهيئات الإدارية استخدام الخرائط لفهم المسافة بين مدرستين في منطقة ما. يمكن للمرء استخدام تلك البيانات لتحديد حالة منطقة معينة هل تتمتع بإمكانية الوصول بسهولة إلى المرافق المدرسية أو لا يمكنها فعل ذلك إطلاقاً.
توفير عرض شامل للبيانات
يمكن استخدام مجموعة من الألوان والأشكال والتعليقات التوضيحية للحصول على منظر علوي للمنطقة، إذ يمكن وضع علامة على المستشفيات والكليات ومحلات تصليح السيارات والتعليق عليها على الخريطة لتقديم عرض شامل للبيانات الجغرافية.
تمكين رسم الخرائط البصرية
يمكن تمثيل مجموعات البيانات على الخرائط باستخدام الطبقات كالتي تجدها في الخرائط الحرارية أو المخططات الفقاعية. إذ يمكن عرض بيانات الطقس على مختلف الطبقات لتسهيل رسم الخرائط المرئية.
التأكيد على الكيانات المستهدفة
يمكن عرض مختلف أنواع البيانات على رسوم بيانية بسيطة عبر دمج البيانات المسقطة على الطبقات في الخريطة. فمثلاً يمكن الجمع بين سكان المنطقة ومرافق العيادات في المنطقة المجاورة لتحديد هل يوجد عدد مناسب من المراكز الصحية للأشخاص في تلك المنطقة.
تعزيز التصور والتحليل
يسمح بتصوير المعلومات المعقدة بطريقة سهلة الفهم عبر تعيين البيانات على تمثيلات مرئية ذات معنى كالمخططات والرسوم البيانية والخرائط الحرارية، فهو يسهّل تحديد الأنماط والاتجاهات والعلاقات، مما يوفر رؤى قيمة لاتخاذ القرار.
التخصيص الأمثل للموارد
يسمح دمج مجموعات البيانات واستخدام أدوات التحليل المكاني المتقدمة لصناع القرار بتحديد المجالات التي تحتاج اهتمامًا فوريًا. سواء كان يحتاج تخصيص خدمات الطوارئ، أو تحسين طرق النقل، أو التّخطيط للتوزيع الفعال للسلع، كما يقلّل الهدر والتّكاليف.
كما يسمح بتتبّع الأصول ومراقبتها كالمعدات أو المركبات أو البنية التحتية، مما يساعد في تحسين صيانتها واستخدامها.
التسويق على أساس الموقع
أصبحت استراتيجيات التسويق الشخصية في العصر الرقمي الحالي حاسمة بالنسبة للشركات، إذ يوفر التحليل المكاني معلومات ديموغرافية مفصلة وأنماط سلوك العملاء وتحليل السوق الخاص بموقع ما. فباستخدامها يمكن للشركات تطوير حملات تسويقية مستهدفة مصممة خصيصًا لتفضيلات واحتياجات جمهورها المستهدف،
فهي تساعد الشركات على اتخاذ قرارات مستنيرة لاستهداف الجمهور المطلوب بشكل فعال، كما تعزز تصنيف محرك البحث لموقعك على الويب.
اتخاذ قرارات مستنيرة
يسمح التحليل المكاني لصناع القرار بتحليل وتقييم البيانات المكانية باتخاذ خيارات مستنيرة من تخطيط المدن إلى الاستجابة للكوارث.
فهو يقدم المعلومات المعقدة بطريقة بديهية بصريا، مما يسهل على صناع القرار فهمها وتفسيرها، فمن خلال تراكب طبقات مختلفة من المعلومات على الخريطة يوفر رؤية شاملة تساعدهم على تقييم التأثيرات والمخاطر والفرص المحتملة.
فضلاً عن ذلك، فهو يسمح لهم بالوصول إلى البيانات في الوقت الحقيقي مما يمكنهم من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة.
تحديد المخاطر المحتملة
يسمح التحليل المكاني في تطوير استراتيجيات تخفيف فعالة استباقية وتنفيذ التدابير الوقائية عبر دمج البيانات في مختلف المجالات بما يتضمن: البيئية والاجتماعية والاقتصادية فيما يتعلّق بالكوارث الطبيعية أو معدّلات الجريمة أو المخاطر البيئية.
ميزة تنافسية في السوق
يسمح تحليل البيانات الديموغرافية والاقتصادية والسوقية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية، فهي تكسب المؤسّسات ميّزة تنافسية عبر تحديد الأسواق غير المستغلة والتركيبة السكانية المستهدفة وفرص الأعمال المحتملة.
كما يوفّر رؤى قيمة حول التركيبة السكانية والتفضيلات والسلوكيات لموقع ما مما يمكّن الشركات من تصميم منتجاتها وخدماتها واستراتيجياتها التسويقية وفقها.
كما يعمل على تبسيط المعلومات المعقدة ليسهل توصيل الرؤى إلى أصحاب المصلحة أو العملاء أو الشركاء.
مبدأ عمل التحليل المكاني
يستخدم التحليل المكاني بشكل أساسي لتحديد مدى جدوى موقع ما لأنظمة معينة أو للتنبؤ بحالة الطقس لمنطقة جغرافية معينة، فهو يسمح للمستخدمين بنمذجة المشكلات وإيجاد حلول شاملة لها وفق سمات جغرافية مرتبطة بها. إذ يعمل وفق المراحل التّالية:
- مرحلة جمع البيانات: يشمل جمع البيانات من مختلف المصادر بما يتضمن: أجهزة الاستشعار عن بعد كنظام كشف الضوء وتحديد المدى LiDAR والأنظمة المحمولة جواً. تستخدم تلك البيانات في بناء الخرائط التي تكشف التوزيع الجغرافي للكيانات قيد النظر، كخريطة توضح درجات الحرارة للمناطق. حيث تتضمن تلك البيانات: صورًا عالية الدقة أو صورًا فوتوغرافية تم التقطالها عبر الأقمار الصناعية أو الأنظمة الجوية.
- مرحلة تحليل البيانات: يتم تحليل البيانات المجمعة باستخدام حلول الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لاستخلاص النتائج، كما يمكن تدريب نماذج لاكتشاف الأشياء أو الهياكل في منطقة ما عبر تحليل مجموعات كبيرة من الصور. قد تكون تلك المناطق الكليات والملاعب ومناطق المرور والمناطق السكنية وما شابه، كما يمكن استخدام أدوات التصور لتسليط الضوء على الكائنات بألوان أو أشكال أو تعليقات توضيحية، إذ تعمل تلك الأدوات على تسهيل عملية تحديد الكائن ضمن أجزاء كبيرة من البيانات.
- عرض البيانات: بعد التحليل تحتاج تسليط الضوء على العناصر الحاسمة التي تكشف النتائج، يمكن فعل ذلك باستخدام أدوات تصور البيانات التي تستخدم الجداول والمخططات والرسوم البيانية لعرض البيانات ذات الصلة والتواصل مع أصحاب المصلحة.
يستخدم التحليل المكاني تلك الخطوات لتحليل البيانات وتجميعها لحل المشكلات المعقدة، فهو يحوّل البيانات الأولية إلى رؤى قيمة مما يحدث ثورة في عملية صنع القرار في مختلف الصناعات. فمن خلال توفير معلومات مقنعة بصريًا وغنيّة بالسياق، يمكن للمؤسسات اتّخاذ خيارات مستنيرة وتحسين تخصيص الموارد واكتساب ميزة تنافسية في السوق.
لذا سواء كنت وكالة حكومية تخطط للتنمية الحضرية، أو شركة بيع بالتجزئة تبحث عن فرص نمو جديدة، أو منظمة بيئية تراقب التنوع البيولوجي، يساعد دمج تصميم بيانات نظم المعلومات الجغرافية في عملية صنع القرار ليقودك إلى رؤى قيمة يمكنها توجيه أعمالك. نتحدث في الفقرة التّالية عن أبرز تطبيقات التحليل المكاني وكيفية الاستفادة من قدراته في مختلف المجالات.
أبرز تطبيقات التحليل المكاني
يتصلّ عالم اليوم بالتقنيات المتقدمة كإنترنت الأشياء التي تعتمد بشكل كبير على التحليلات المكانية للعمليات اليومية. حيث تستخدم عدة وكالات حكومية وخاصة بيانات خاصة بالموقع لتشغيل برامج الرعاية الاجتماعية بنجاح وضمان رفاهية سكان المنطقة. ويرتبط التحليل المكاني بعلم الفلك إذ تُستخدم لدراسة واستكشاف وفهم موقع النّظام النّجمي في الكون اللامتناهي.
كما يعدّ هامّاً في الرعايّة الصحيّة والزراعة، وإدارة النظام البيئي الحضري، والإنذار بالكوارث والتّعافي منها، وسلسلة التّوريد والنّمذجة اللوجستية.
فهو يساعد في إدارة حركة المرور في المناطق الحضرية، ممّا يسمح للسّلطات باتّخاذ خطوات لبناء مدن مرنة. ويسمح للمستخدمين بالتّحقق من التّقدم الجغرافي للمرض وبالتالي الاستثمار في الجهود المبذولة للسيطرة على انتشاره كما يمكن للهيئات الحكومية باستخدام البيانات المكانية لرسم خريطة لاستراتيجيات التطعيم لمنطقة جغرافية ما خلال فترة وباء معين ككوفيد-19. من أبرز الأمثلة على تطبيقات التّحليل المكاني:
- التخطيط والتطوير الحضري: إذ يسمح التحليل المكاني بتطوير مدن حضرية قادرة على الصمود، إذ تتأثر المدن بالعواقب السلبية لتغير المناخ، وهنا يأتي دور نظم المعلومات الجغرافية فهي توفر المعلومات التي قد تساعد في الإنقاذ. كما يساعد في تخطيط ووضع إستراتيجيات لتتبع الانبعاثات الصناعية بالتّالي اتخاذ قرارات حول ضرورة استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
- مراقبة تأثير جزيرة الحرارة الحضرية (UHI) في المدن: يشير تأثير جزيرة الحرارة الحضرية (UHI) إلى الظاهرة التي يتم فيها إزالة النباتات الطبيعية لبناء شقق فتميل المنطقة للاحتفاظ بالحرارة لفترة أطول، وهي أحد المشاكل الخطيرة التي تحتاج البشرية معالجتها. تساعد تقنيات التحليل المكاني في حل ذلك باستخدام بعض التدابير كصور الأقمار الصناعية المجموعة عبر برنامج لاندسات والاستشعار الحراري عن بعد ودراسات المراقبة الميدانية في تطوير فهم أفضل لكيفية تأثير UHI في نمط مكاني ما، بالتّالي تحديد الأسباب واتخاذ الإجراءات المناسبة.
- تحديد نوعية الحياة: تسمح البيانات المكانية الجغرافية باكتشاف نمط البيانات الذي قد يكشف عن نوعية الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص الذين يعيشون في منطقة ما. إذ يمكن للأنماط المكانية تسليط الضوء على وجود المستشفيات والمدارس والمكاتب الحكومية داخل المنطقة. فيُظهر التوزيع المتساوي لهذه البنية التحتية أن المنطقة تتمتع بكل المرافق اللازمة لعيش نوعية حياة جيدة.
- إدارة حركة المرور: يمكن تصميم نموذج لتبع تدفق حركة المرور والازدحام للكشف عن مواطن الخلل في نظام النقل، فباستخدام الصور المكانية، يمكن تحديد الطرق التي تواجه ازدحامًا مستمرًا. إضافة إلى ذلك، كما معروف الأشخاص ذوي الدخل المنخفض لا يمتلكون مركبات مستقلة، مما يسبب صعوبة في عبورهم، كما يصبحون أكثر إعاقة بدون مرافق النقل العام المناسبة لأنه يزيد من صعوبة الوصول إلى أماكن العمل. هنا يساعد التحليل المكاني في تحديد تلك الثّغرات في المناطق الحضرية ممّا يمكّن السّلطات من اتّخاذ الإجراءات العلاجية الفورية.
- إدارة الصحة العامة: يستخدم التحليل المكاني من قبل السلطات الصحية والحكومية لإدارة الصحة العامة باتبّاع عدّة استراتيجيات تتجلّى فيما يلي:
- خريطة انتشار المرض: تعتبر نتائج الأقمار الصناعية هامة للتنبؤ بانتشار الأمراض عبر المناطق، إذ تسمح أنماط البيانات المكانية لصانعي السياسات بمراقبة انتشار المرض لاتخاذ خطوات وقائية. كما يمكن دراسة تأثير الطقس على انتشار المرض من خلال الجمع بين متغيرات الطقس كهطول الأمطار ودرجة الحرارة مع بيانات المرض في مختلف المناطق. ففي حالة الأمراض المنقولة بالمياه، تعد درجات الحرارة والمسطحات المائية كالبحيرات والأنهار في المنطقة المجاورة أمرًا هاماً لفهم تطور المرض. يعتبر برنامج البعوض العالمي (WMP) أحد المبادرات التي تديرها وحدة غير ربحية تتعاون مع المجتمعات المحلية للحد من انتشار الأمراض التي ينقلها البعوض.
- تحليل المرافق الصحية والصرف الصحي: إذ يمكن رسم خريطة للمناطق التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى مرافق الصرف الصحي كأنظمة جمع مياه الصرف الصحي ومحطات ضخ المياه ومحطات معالجة النفايات داخل المنطقة. إذ تكشف البيانات عن السكان الذين لديهم مثل هذه الخدمات، كما يمكن للسلطات المعنية استخدام تلك المعلومات لتبادل الأفكار وتنفيذ خدمات الصرف الصحي الإضافية حيثما استدعت الضرورة لرفاهية المجتمع. كما يمكنها رسم خريطة للمرافق الصحية كالعيادات والمستشفيات، وتحديد السكان الذين لا يمكنهم الوصول إليها، واعتمادًا على ذلك، يمكن للسلطات المعنية تخطيط برامج لإقامة خدمات جديدة للرعاية الصحية.
- خريطة إحصائيات التطعيم: تعتبر جائحة كوفيد-19 أحد التحديات التي واجهها العالم خاصة قطاع الرعاية الصحية، إذ كان تطعيم الناس هو السبيل الوحيد للخروج منها. فكان يجب على الحكومات متابعة برامج التطعيم، ساعدتهم تقنيات التحليل المكاني في ذلك، إذ يمكنهم تتبع توزيع اللقاحات وضمان التغطية الموحدة حول المناطق المحلية.
- في مجال الزراعة: يتيح التحليل المكاني مراقبة المحاصيل والتنبؤ بإنتاجية المحاصيل وتحليل التربة:
- مراقبة المحاصيل: تعتمد جودة إنتاجية المحاصيل على عدة متغيرات تعمل مع بعضها بتزامن بما يتضمن: المناخ ومغذيات التربة وأشعة الشمس. وكما هو معروف تختلف تلك العوامل باختلاف المناطق الجغرافية، فعندما يتم جمع بياناتها عبر الاستشعار عن بعد يسهل مراقبة المحاصيل، كما يساعد في تتبع أداءها وتوزيعها والتغيرات البيئية التي تؤثر على الإنتاجية.
- توقع غلة المحاصيل: كما هو معروف تتأثر إنتاجية المحاصيل بتغير المناخ، هنا يبرز دور الصورة المجمعة عبر الأقمار الصناعية. حيث تكشف عن بيانات الطقس كالرياح ودرجة الحرارة وضغط الهواء وظروف التربة. ممّا يسمح للمزارعين بدراسة توقعات إنتاجية المحاصيل، كما يمكن تحديد احتمالية حدوث الهجمات المحتملة للآفات، كما يساعد دمج تلك العوامل في تحديد الوقت المناسب لحصاد المحاصيل وغيرها.
- مراقبة حيوانات المزرعة: لقد أظهرت أبحاث الثروة الحيوانية أن َّ الحيوانات تنتج غاز الميثان المسبّب لظاهرة الاحتباس الحراري، كما أنّها تلوّث تربة المزرعة بإطلاق النيتروجين، فتختلط التربة بالمسطحات المائية كالأنهار ويزداد التلوث. فلو تم استخدام أدوات التحليل المكاني يمكن مراقبة الماشية ودراسة الأضرار التي لحقت بالنظام البيئي الطبيعي في الأماكن التي تتحرك فيها واتخاذ التدابير اللازمة.
- تحليل مغذيات التربة: تساعد أدوات التحليل المكاني ونظام (GPS) في مراقبة المزرعة، إذ يمكن لمتخصصي التربة تحليل البيانات المكانية لتحديد خصائص التربة كمستوى الرقم الهيدروجيني ومحتوى النيتروجين وغيرها. مما يساعد في تحديد القيم غير المعروفة بين القيم المعروفة، وبالتالي الكشف عن التباين المكاني في خصائص التربة. تسمح تلك المعلومات للسلطات المعنية بتنفيذ الممارسات التي تستعيد مغذيات التربة مما يساعد في إدارة التربة اعتمادًا على محتواه الغذائي، كما يساعد المزارعين في التّخطيط لإضافة الأسمدة المناسبة إليها.
الجدير بالذّكر أنّه للاستفادة من إمكانيّات أنظمة التّحليل المكاني يجب اتبّاع استراتيجيات معينّة تسمح بالحصول على نتائج دقيقة نتحدّث عنها في الفقرة التّالية.
عناصر التصميم الفعال لبيانات نظام التّحليل المكاني
يتطلّب تصميم نظم التحليل المكاني الاهتمام بالتّفاصيل والعين الثّاقبة لتحسين استخدام البيانات لذا عند تصميم النّظام يجب التّركيز على:
- دقّة البيانات وجودتها: تعدّ دقّة وجودة بيانات نظم المعلومات أساس التّحليل الموثوق، فالقرارات المكانية الدقيقة تعتمد على بيانات دقيقة، فقد تسبّب البيانات غير الدقيقة تحليلات معيبة ورؤى مضلّلة. لذا يجب التّحقق من موثوقية مصادر البيانات، والتّأكد من صحة البيانات، والحفاظ على دقتها محدّثة على مدار الوقت.
- تكامل البيانات: يوفر الجمع بين مختلف مصادر البيانات رؤية شاملة للمشكلة، لذا يُنصَح بدمج مجموعات البيانات المتنوعة كالبيانات الديموغرافية أو بيانات استخدام الأراضي أو البيانات البيئية للحصول على رؤى شاملة.
- توحيد البيانات:تعد معايير البيانات المتسقة أمرًا حيويًا لتصميم بيانات نظام تحليل فعال، لذا يجب التأكد أن بيانات السمات والتعريف وأنظمة الإحداثيات تلتزم بالمعايير المقبولة بشكل واسع، مما يسمح بالتكامل السلس وقابلية التشغيل البيني.
- تقنيّات التَّصوّر:يهدف التحليل المكاني إلى نقل معلومات قيمة باستخدام التصورات كتقنيات رسم الخرائط المتقدمة كالخرائط التصحيحية أو الخرائط الحرارية يمكن تفسيرها بسهولة وفهمها بسرعة. يُنصَح باستخدام الألوان والأحجام والرموز المناسبة لتمثيل الميزات المختلفة وإبراز الاتجاهات الرئيسية.
- تجربة المستخدم والتَّفاعل:في عالم التّكنولوجيا أصبحت تجربة المستخدم (UX) أهمّ ممّا مضى، لذا تُصمَّم واجهات GIS بديهية وسهلة الاستخدام ويمكن التَّنقل فيها بسهولة. من خلال الأدوات التّفاعلية كخيارات التّكبير/التصغير والتحريك والتصفية لتحسين مشاركة المستخدم واستكشافه.
خاتمة
في الختام، الجدير بالذكر أن التحليل المكاني قد أصبح جزءًا أساسياً في مختلف الصناعات بما يتضمن: الرعاية الصحية، علم الفلك، الخدمات المصرفية، الغابات، سلسلة التوريد، والمعاهد الحكومية وغير الحكومية، وغيرها الكثير. إذ تسمح للمؤسسات بوضع خطط ثابتة تعمل على تحسين مواردها المالية الإجمالية وتضمن استفادة الجماهير من البرامج.
المصادر
Principles of GIS Spatial Analysis (A Book in Arabic)