في الوقت الحالي، تواجه مؤسسات التعليم العالي الكثير من التحديات كانخفاض معدلات الالتحاق وتراجع التمويل الحكومي وزيادة الطلب على دعم الصحة العقلية في أعقاب تداعيات فيروس كورونا إضافة إلى أزمة تكلفة المعيشة. مما يجعلها تحتاج طرق لتحسين عملياتها والخبرة التعليمية، والتأكد من حصول أصحاب المصلحة على الدعم المناسب للتعامل مع تلك التحديات والتغيرات العالمية. حيث تعتبر التجربة التعليمية معقدة نظراً لتعدد أصحاب المصلحة من طلاب وأعضاء هيئة تدريسية وإداريين وموظفي دعم، فكل واحد منهم له دور في ضمان حصول الطلاب على أفضل تعليم ودعم ممكن. هنا يبرز دور تحليل البيانات في التعليم فهو يساعد في فهم احتياجات وتفضيلات الطلاب بشكل أفضل، إضافة إلى تحسين نتائج الطلاب وعملية النجاح المؤسساتي في قطاع التعليم.

نتحدث أدناه عن فوائد تحليل البيانات في التعليم ومختلف أنواع البيانات في هذا المجال وكيف يمكن استخدامها للحصول على رؤى قيمة، كما نتطرق إلى التحديات التي قد تواجهها المؤسسة التعليمية عند تطبيق استراتيجيات التحليل.

مفهوم وأهمية تحليل البيانات في التعليم

تحليل البيانات في التعليم هو عملية جمع البيانات في هذا القطاع وتحليلها وتفسيرها لإيجاد ارتباطات ذات معنى بالتالي توجيه القرارات التعليمية وتحسين أداء الطلاب. فهو يوفر عدد كبير من الفوائد منها:

  • يسمح للموظفين غير التقنيين توصيل التحليلات بسهولة إلى تطبيق ويب لنظام إدارة التعلم.
  • قياس مدى نجاح وفعالية مكونات الدورة ومواردها.
  • تحديد أنماط لتحسين الاحتفاظ بالمعرفة لدى الطلاب.
  • التأكيد على الموارد التي تزيد من أداء الاختبار مع الوقت.
  • مقارنة أداء الطلاب بالمعدلات الوطنية لاتخاذ القرارات المتعلقة باكتساب أعضاء هيئة التدريس وتعيينهم.
  • تحديد أداء الطلاب المعرضين للخطر أكاديميًا واقتراح تدخلات كالدروس الخصوصية أو الاستشارة المستهدفة.
  • مقارنة بيانات المتقدمين الحالية والسابقة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالقبول وتحسين الأداء المؤسسي العام.
  • اكتشاف أنماط الاختلافات بين سلوك الطالب المتوقع ونتائجه الفعلية. 

تشمل تلك التحليلات نوعين من التحليل:  التعليم يركز على كل جوانب عمليات المؤسسة كتقديم معلومات حول نظام إدارة التعلم بأكمله، التعلم يركز على المتعلمين بشكل خاص يخبره المدرسين بأنماط تعلم الطلاب ويساعدهم على اختيار الحوافز واستراتيجيات التحسين الأفضل. 

لكن كلاهما يوفر الأساس لتقييم فعالية منهجيات التدريس، ومشاركة الطلاب، ومراقبة الأداء، اكتشاف سلوكيات التعلم غير الفعالة وتحديد المشكلات التي تؤدي إلى نتائج عكسية والتي تتداخل مع إنجازات الطلاب. نفصل في الفقرة التالية أنواع البيانات وتصنيفها وفقا للمصادر التي يتم استنباطها منها.

أنواع البيانات في قطاع التعليم

في قطاع التعليم لا يمكن لتقييم واحد أن يوضح كل ما تحتاجه المؤسسات لاتخاذ قرارات تعليمية مستنيرة، لذا يؤكد الباحثون على تعدد مصادر البيانات. تجمع المؤسسات التعليمية كميات هائلة من البيانات حول حضور الطلاب وسلوكهم وأدائهم، بالإضافة إلى البيانات الإدارية والإدراكية من الدراسات الاستقصائية ومجموعات التركيز. تصنف البيانات في قطاع التعليم بشكل أساسي إلى فئتين: كمية ونوعية.

البيانات الكمية

تتضمن معلومات يمكن قياسها عدديا كدرجات الاختبارات ومعدلات الحضور، توفر مقاييس موضوعية لأداء الطلاب ومشاركتهم، مما يسمح بتحديد الأنماط والاتجاهات لتحسين التدخلات واستراتيجيات الدعم.

فقد تستخدمها المؤسسات لتتبع معدلات استبقاء الطلاب ومعدلات التخرج، لكونه يسمح لهم بالبحث عن الأنماط التي قد تظهر الطلاب المعرضين لخطر التسرب أو عدم إكمال دراستهم. كما يستخدمونها لقياس مدى فعالية أساليب التدريس أو خدمات الدعم من دروس خصوصية أو استشارة في تعزيز نجاح الطلاب.

البيانات النوعية 

تتضمن معلومات ذاتية يصعب قياسها كتصورات الطلاب عن تجربتهم التعليمية أو ردود فعلهم على أساليب التدريس، أو آراءهم عن سياسات الجامعة وإجراءاتها. فهي توفر فهم أعمق لتجربة الطلاب كما يساعد في تحديد مجالات التحسين التي قد لا توضحها البيانات الكمية.

قد تستخدمها المؤسسات التعليمية في جمع ردود فعل الطلاب حول تصوراتهم لثقافة الجامعة، مما يشجع تغييرات السياسة و تطوير خدمات دعم الطلاب الجديدة.

الجدير بالذكر أنَّ المؤسسات التعليمية تستخدم بيانات أخرى لتوجيه عملية صنع القرار واستراتيجيات الدعم. بما يتضمن: بيانات عن مشاركة الطلاب في منصات التعلم عبر الإنترنت أو سلوكهم على السوشيال ميديا، إضافة إلى بيانات العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي قد تؤثر على نجاح الطلاب. يمكن تصنيف هذا النوع إلى ثلاث فئات رئيسية:

  • البيانات الديموغرافية: عدد الطلاب، والمشاركة، والحضور، والبيئة الأقل تقييدًا للطلاب ذوي الإعاقة.
  • بيانات تعلم الطلاب: تقييم المعرفة والمهارات في القراءة والانجليزي والرياضيات، والتقدم السنوي المناسب (AYP) في كل منها، وبيانات بداية ونهاية العام من تقييم STAR للقراءة وجرد إتقان القراءة.
  • بيانات التأديب: مكتب الإحالات التأديبية، والإيقاف، وبرنامج التعليم البديل التأديبي.

ولكن عندما يتعلق الأمر بتحسين العملية التعليمية فليست كمية البيانات هي الأساس، وإنما كيفية استخدام تلك المعلومات.

كيفية الاستفادة من تحليل البيانات في التعليم 

لتعميق فهمنا، دعونا نلقي نظرة على أمثلة لكيفية تسخير المؤسسات لقوة بيانات مدرستها لتتبع المقاييس المهمة وتحسين النتائج والنتائج. يمكن أن توفر لوحة معلومات الحضور المدرسي لمديري المدارس والمسؤولين الآخرين نظرة ثاقبة حول حضور الطلاب واحتجازهم، وهو ما يمكن أن يكون مؤشرًا على معدلات التسرب ونجاح الطلاب. ستساعد لوحة المعلومات التي تتتبع معدلات القبول في الكليات الكليات والجامعات على موازنة حاجتها إلى زيادة دخل التسجيل مع الحفاظ على معايير أكاديمية عالية، مما يرفع من سمعة المؤسسة ويمكن أن يسمح بالوصول إلى المزيد من التمويل البحثي.

توفير نظرة ثاقبة لسلوك وأداء الطلاب

يوفر تحليل البيانات معلومات وفيرة حول التركيبة السكانية للطلاب والأداء الأكاديمي والمشاركة، إذ يمكن للمؤسسات استخدام التحليل لتحديد الأداء الأكاديمي للطلاب في دورات أو برامج محددة. كما يساعد في تحديد الدورات أو البرامج الناجحة أو التي تحتاج تحسين.

كما يمكن للمؤسسات تحليل التركيبة السكانية للطلاب لتحديد استراتيجيات التسجيل والاحتفاظ الأكثر فعالية. أو اختبار فعالية خدمات الدعم كالإرشاد الأكاديمي والدروس الخصوصية، وتحديد مجالات التحسين.

تحسين استبقاء الطلاب وتحديد الطلاب المعرضين لخطر التسرب

فمن خلال تحليل البيانات المتعلقة بأداء وسلوك الطلاب يمكن للمؤسسات تحديد الطلاب المعرضين لخطر التسرب وتقديم الدعم الذي يحتاجونه لتحقيق النجاح. كالدروس الخصوصية والإرشاد الأكاديمي والمشورة المهنية والدعم الأكاديمي العام.

كما يمكن تطوير نماذج تنبؤية لتحديد الطلاب المعرضين للخطر عبر تحليل بيانات التركيبة السكانية للطلاب والأداء الأكاديمي والمشاركة ثم تزويدهم بالدعم اللازم لتشجيعهم على تحقيق النجاح الأكاديمي.

التعلم الشخصي والتعليم التكيفي

 يمكن للمؤسسات تطوير خطط تعليمية مخصصة مصممة لتلبية الاحتياجات الفردية لكل طالب وأسلوب التعلم من خلال تحليل البيانات المتعلقة بأداء الطلاب وسلوكهم.

كما يمكن تحديد الاتجاهات في أنواع الدورات والموضوعات التي تهم الطلاب، كما يمكن استخدام تلك المعلومات لتطوير دورات جديدة أو تغيير الدورات الحالية لتلبية احتياجات الطلاب. ففي حال تبيّن أنَّ دورة معيّنة غير ناجحة يمكن توفير موارد إضافية لتحسين عروضها.

تحسين عروض الدورة

يساعد تحليل البيانات في التعليم في تحسين عروض الدورات التدريبية عبر تحديد الدورات التي يزداد الطلب عليها والدورات التي لا تلبي احتياجات الطلاب وتحتاج تحسين. فمن خلال تحليل بيانات أنماط التسجيل، والتركيبة السكانية للطلاب، وتقييمات الدورات، فهو يسمح باتخاذ قرارات مستنيرة حول أسماء ومواعيد الدورات التي ستقدمها. كما يتيح الفرصة للتعرف على فرص إعادة تصميم المقررات الدراسية.

إضافة إلى تحديد الأماكن التي ينعزل فيها الطلاب، أو الأماكن التي قد ينخفض فيها الأداء، بحيث يمكن للمؤسسات إعادة تصميم المقررات الدراسية لتلبية احتياجات الطلاب. كما يوفر فرصة الحصول على فهم أفضل للدورات الأكثر شعبية والتأكد من استخدام الموارد بشكل أكثر فعالية من ناحية التكلفة.

تحسين فعالية التدريس

يساعد تحسين فعالية التدريس عبر توفير رؤى حول الممارسات التعليمية ونتائج تعلم الطلاب، فمن خلال تحليل بيانات مشاركة الطلاب وأدائهم ورضاهم، يمكنهم تحديد مجالات تحسين التدريس فيها وتوفير فرص التطوير المهني المستهدفة لأعضاء هيئة التدريس، كما يمكنهم استخدام تحليل البيانات لتقييم فعالية استراتيجيات وتدخلات التدريس.

كما يمكن للمعلمين تحديد الاستراتيجيات الأكثر فعالية واتخاذ قرارات مبنية على البيانات حول كيفية ضبط أساليب التدريس عبر تحليل بيانات نتائج الطلاب وملاحظاتهم.

التنبؤ وضمان نجاح الطالب

يسمح تحليل بيانات أداء الطلاب التاريخية كالدرجات والحضور والمعلومات الديموغرافية، ودراسة الأنماط والعلاقات بين المتغيرات للتنبؤ بنتائج الطلاب كمعدلات التخرج والنجاح الأكاديمي ومعدلات الاستبقاء.

تعزيز الأداء المؤسسي الشامل

يساعد تحليل البيانات المؤسسات في تحسين أدائها عبر توفير رؤى حول تخصيص الموارد والأداء المالي وغيرها من المجالات الرئيسية. كما يساعد تحليل بيانات الميزانية، وأنماط الالتحاق، ونتائج الطلاب، في اتخاذ قرارات مستنيرة حول تخصيص الموارد والتخطيط الاستراتيجي.

إذ يمكن للمحلل ربط أعمدة البيانات في سجلات الطلاب عبر خصائص الأستاذ والطالب والدورات والموارد لتحسين الخبرة التعليمية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والامتثال لميزانية الجامعة، والتنبؤ بالاحتفاظ بالطلاب.

لأغراض تخطيط الميزانية وتخصيصها، يجب ربط استخدام المنشأة لتحسين استخدام المواقع المعرضة للخطر أو تحديد المباني التي سيتم إغلاقها أو تأجيرها.

تحديد مجالات المشكلات الأكاديمية لنجاح الطلاب الفرديين 

إذ يمكن للنظم الذكية اقتراح طرق مجربة للتغلب على العقبات، ثم استخدام معلومات الاتصال بالطلاب في النظام لإرسال اقتراحات عبر البريد الإلكتروني كالمعامل عبر الإنترنت التي تعالج صعوبات معينة.

الجدير بالذكر أن هناك ميزة تحليلية جديدة ل (NLP)، حيث تتوفر من خلال منصات ذكاء الأعمال تحليلات نص قادرة على التعرف على الأنماط وإيجادها في المعلومات اللفظية. أي يسمح بتطبيق التحليلات على تقييم مقالات الطلاب وغيرها من المؤلفات فلم يعد المعلمون والمؤسسات مقتصرين على التقييم العددي.

من الأفضل استخدام أمثلة من العالم الحقيقي كتحديد حدود الأداء في الرياضيات ومقارنة مخازن بيانات التعليم بحيث تؤدي درجة الاختبار المنخفضة إلى إطلاق سلسلة من تدخلات التحسين المقترحة. إضافة إلى ربط الدورات الدراسية التكميلية عبر الإنترنت والدروس الخصوصية في بيانات الموارد والبنية التحتية. 

ثم تغذية نتائج المشاركة إلى شبكة عصبية تحدد احتمالية النجاح في كل سيناريو وتحسن نموذج الاقتراح في النتائج المستقبلية. كما يتم تدريب نموذجها على معلمات إدخال متنوعة من البيانات عبر مختلف أقسام المؤسسة.

التحديات التي تواجهها المؤسسات عند تحليل البيانات

رغم الإمكانات الكبيرة لتحليل البيانات في تحسين نتائج الطلاب، لكن تواجه المؤسسات عدة تحديات عند تطبيقها، أبرزها:

جودة البيانات

تعتبر جودة البيانات شيء هامة جداً بالنسبة للمؤسسات إذ تؤثر دقة البيانات واكتمالها على صحة الأفكار المكتسبة من التحليل. كما ينتج عن البيانات غير الكاملة أو غير الدقيقة عدم دقّة بالتّالي استنتاجات غير صحيحة أو تدخّلات غير فعّالة.

أمن البيانات والخصوصية

يجب على المؤسسات التعليمية التأكد من أمان بيانات بشكل يتوافق مع لوائح خصوصية البيانات ذات الصلة. فقد يصعب التعامل مع البيانات الحساسة كمعلومات التعريف الشخصية أو السجلات الصحية.

اتساق البيانات عبر الإدارات

كما هو معروف للجامعات هيكل تنظيمي معقد، إذ تجمع الأقسام والوحدات البيانات وقد تسبب ظهور صوامع بيانات. إذ لا تتم مشاركة البيانات أو دمجها عبر المؤسسة، مما يجعل من الصعب الحصول على رؤية شاملة لأداء الطلاب ومشاركتهم. تشير شركة ماكينزي إلى افتقار المؤسسات إلى سياسات محددة حول كيفية مشاركة البيانات عبر الأقسام.

باختصار، إن تطبيق تحليل البيانات في التعليم مثمر بالفوائد لكن الأمر ليس بكل هذه السلاسة فهناك بعض التحديات قد تحول دون ذلك. ومع ذلك، يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال تحسين المهارات المناسبة في تحليل البيانات لجميع القوى العاملة في جميع الصناعات، وليس التعليم فقط. ومن خلال التدريب الكافي على البيانات، من الممكن التغلب على التناقضات بين الأقسام وبناء ثقافة تعتمد على البيانات بشكل أكبر داخل المؤسسة.

المصادر:

موقع جامعة كامبريدج

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Instagram